منذ زمن بعيد، كان النيل يروي حكايات العزيمة والملوكية، واليوم، يأتي نهر الراين ليصنع فصلاً جديدًا في تلك السيرة. ""كنداكة على نهر الراين"" ليست مجرد سيرة ذاتية عابرة؛ إنها صرخة كبرياء، وتأمل عميق في ثنائية الهوية والانتماء. هي قصة غادة حسين موسى، المرأة السودانية التي حملت معها إرث حضارة الجنوب بأسرها، ووضعتها على ضفاف الغرب الباردة.كنداكة، اللقب التاريخي الذي تحمله ملكات النوبة، لا يمثل هنا مجرد تاريخ قديم، بل هو بوصلة الروح التي توجه رحلة البطلة. فكيف لـ ""كنداكة"" أن تجد جذورها وهي تقف بين ضفتين، بين صوت الطمبور ووقع الموسيقى الأوروبية؟ يغوص الكتاب في تفاصيل رحلة اغتراب لا تقتصر على الانتقال الجغرافي من أرض المحروسة إلى أوروبا، بل تتعداه إلى البحث الشاق عن تعريف الذات في فضاء جديد لا يشبهها. إنه صراع يومي بين ماضي لا يمكن نسيانه ومستقبل يجب عليها أن تصنعه بنفسها.تكتب غادة بصدق جارح وعمق فلسفي عن لحظات الضعف والقوة، عن فقدان الهوية في بوتقة الثقافة الجديدة ومحاولات استعادتها قطعة قطعة. هي لا تروي قصة هجرة عادية، بل قصة ميلاد جديد لـ هوية متجددة، قادرة على أن تكون جسرًا بين عالمين. هذا العمل دعوة مفتوحة لقراءة روح لم تستسلم لـ ""التنميط""، بل أصرت على أن تكون كنداكة بكل ما تحمله الكلمة من فخامة، وأن تصنع لنفسها مكانًا تحت سماء الراين، دون أن تفقد عبق النيل. إنه كتاب لمن شعر يومًا بالغربة، ولمن يبحث عن الشجاعة الكامنة في رحلة الاكتشاف الذاتي عبر القارات. هي شهادة حيّة على أن التنوع هو القوة الخفية التي تصقل الروح وتجعلها تتألق في أحلك الظروف.